افتتاحية "الصباح".. حان الوقت لحل ملف المهاجرين غير النظاميين

    لا شك أن ملف المهاجرين غير النظاميين الموجودين في تونس وتحديدا في بعض المناطق مثل العامرة وجبنيانة اللّتين تشهدان تصاعدا للتوتر والغضب، موضوع شائك ومعقد، لكن تطورات الوضع ميدانيا تستدعي الإسراع بوضع حلول عملية لهذه الظاهرة، بالنظر إلى تعقدها وتشابك أسبابها وعواملها، حيث باتت تمثل عبئا كبيرا لحساسيتها الأمنية وتداعياتها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية.. وشهدت الفترة الأخيرة تحركات في عدة اتجاهات سواء على المستوى السياسي الرسمي للتوصل إلى بعض الحلول لمكافحة الظاهرة (القمة الثلاثية المغاربية) أو على مستوى تكثيف التنسيق مع ايطاليا، ومع الاتحاد الأوروبي، وأيضا مع المنظمات الدولية المعنية بشؤون المهاجرين واللاجئين، مما يوحي بوجود تفكير جدي في تطويق الأزمة الناجمة عن تأخر النظر فيها بشكل عملي.. لم يكن ملف المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى بلادنا من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتصدر أولويات السلطات والحكومات المتعاقبة، أو موضوعا رئيسيا لوسائل الإعلام، ولم يكن يشكل مصدر إزعاج لسكان المدن والمناطق التي مروا بها، كما أن التعامل الأمني مع الظاهرة تركز مع من شارك في محاولات الهجرة غير النظامية أو تورط في مخالفات قانونية وإجرامية.. الملفت للانتباه أن عدة عوامل ساهمت في تصعيد هذا الملف ليصبح في ظرف زمني قصير متصدرا لاهتمامات الرأي العام، ويطرح تواجد المهاجرين غير النظاميين في مجموعات كبيرة، وتكاثر أعدادهم، (تضاعفت خمس مرات بين 2022 و2023) أسئلة كثيرة، وتسبب في نشأة أزمة متعددة الأبعاد، خاصة في غياب خطط مسبقة للتعامل مع الظاهرة..، حتى أن البعض وصف البؤر العشوائية لمجموعات المهاجرين وتأخر التعامل معها بـ"القنابل الموقوتة".. علما أن معالم الأزمة تطورت ككرة الثلج بعد تكاثر عدد المهاجرين وتركز وجودهم في مدن قريبة من السواحل، استعدادا للإبحار خلسة، وكانت أولى حالات الصدام مع أهالي صفاقس، من أبرز نواقيس الخطر.. وتفاقم الوضع، بعد فض تمركز مجموعات المهاجرين من وسط مدينة صفاقس، ونقل جزء منهم إلى المعتمديات المجاورة، لتنشأ - كما هو معلوم- أزمة جديدة بعد تركز المهاجرين في غابات الزياتين بشكل عشوائي، دون تنظيم وتهيئة مسبقة.. قد يكون هاجس الدولة في عدم التورط في اتخاذ قرار أحادي لتركيز مخيمات لفرز المهاجرين أو لطالبي اللجوء منهم، مفهوما، خاصة مع تراخي الدول الأوروبية في تحمل مسؤوليتها في موضوع الهجرة، وتغافلها عن الرسائل التونسية في هذا الاتجاه بضرورة معاجلة الملف وفق مقاربة مختلفة عن المقاربة الأمنية الضيقة. كما أن الضغوطات التي مارسها الاتحاد الأوروبي على تونس للقبول بدور الحارس المتقدم لحدوده مقابل مجرد وعود مالية واقتصادية لم تعد خافية. ويبدو أن هناك توجها لتشكيل "لجنة مُشتركة لمُراقبة العودة الطوعيّة" للمهاجرين، تجمع الدول المغاربية والأوروبية، وفق ما كشفت عنه وزارة الداخلية في بلاغ لها عن فحوى مشاركة وزير الداخلية في اجتماع أمني عقد للغرض في روما وجمع وزراء داخلية ايطاليا والجزائر وليبيا وتونس. إضافة إلى وجود اتجاه لدفع دُول المصدر للتعاطي إيجابيّا مع طلبات العودة الطوعيّة لمواطنيها من المُهاجرين غير النظاميّين بالتعاون مع المُنظمات الدّوليّة ذات العلاقة.. وقد يكون التنسيق المغاربي في هذا الشأن، على غاية من الأهمية خاصة من حيث الوعي بضرورة معالجة الظاهرة من جذورها، والاتجاه إلى تعزيز حماية الحدود وتنمية المناطق الحدودية المشتركة، وتسهيل العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية أو توفير حلول أخرى مثل معالجة طلبات لجوئهم وترحيلهم إلى وجهات أخرى، بالتنسيق مع المنظمات الدولية والدول المعنية باللجوء.. رفيق بن عبد الله      

May 4, 2024 - 10:00
 0  5
افتتاحية "الصباح"..   حان الوقت لحل ملف المهاجرين غير النظاميين

 

 

لا شك أن ملف المهاجرين غير النظاميين الموجودين في تونس وتحديدا في بعض المناطق مثل العامرة وجبنيانة اللّتين تشهدان تصاعدا للتوتر والغضب، موضوع شائك ومعقد، لكن تطورات الوضع ميدانيا تستدعي الإسراع بوضع حلول عملية لهذه الظاهرة، بالنظر إلى تعقدها وتشابك أسبابها وعواملها، حيث باتت تمثل عبئا كبيرا لحساسيتها الأمنية وتداعياتها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية..

وشهدت الفترة الأخيرة تحركات في عدة اتجاهات سواء على المستوى السياسي الرسمي للتوصل إلى بعض الحلول لمكافحة الظاهرة (القمة الثلاثية المغاربية) أو على مستوى تكثيف التنسيق مع ايطاليا، ومع الاتحاد الأوروبي، وأيضا مع المنظمات الدولية المعنية بشؤون المهاجرين واللاجئين، مما يوحي بوجود تفكير جدي في تطويق الأزمة الناجمة عن تأخر النظر فيها بشكل عملي..

لم يكن ملف المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى بلادنا من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتصدر أولويات السلطات والحكومات المتعاقبة، أو موضوعا رئيسيا لوسائل الإعلام، ولم يكن يشكل مصدر إزعاج لسكان المدن والمناطق التي مروا بها، كما أن التعامل الأمني مع الظاهرة تركز مع من شارك في محاولات الهجرة غير النظامية أو تورط في مخالفات قانونية وإجرامية..

الملفت للانتباه أن عدة عوامل ساهمت في تصعيد هذا الملف ليصبح في ظرف زمني قصير متصدرا لاهتمامات الرأي العام، ويطرح تواجد المهاجرين غير النظاميين في مجموعات كبيرة، وتكاثر أعدادهم، (تضاعفت خمس مرات بين 2022 و2023) أسئلة كثيرة، وتسبب في نشأة أزمة متعددة الأبعاد، خاصة في غياب خطط مسبقة للتعامل مع الظاهرة..، حتى أن البعض وصف البؤر العشوائية لمجموعات المهاجرين وتأخر التعامل معها بـ"القنابل الموقوتة"..

علما أن معالم الأزمة تطورت ككرة الثلج بعد تكاثر عدد المهاجرين وتركز وجودهم في مدن قريبة من السواحل، استعدادا للإبحار خلسة، وكانت أولى حالات الصدام مع أهالي صفاقس، من أبرز نواقيس الخطر..

وتفاقم الوضع، بعد فض تمركز مجموعات المهاجرين من وسط مدينة صفاقس، ونقل جزء منهم إلى المعتمديات المجاورة، لتنشأ - كما هو معلوم- أزمة جديدة بعد تركز المهاجرين في غابات الزياتين بشكل عشوائي، دون تنظيم وتهيئة مسبقة..

قد يكون هاجس الدولة في عدم التورط في اتخاذ قرار أحادي لتركيز مخيمات لفرز المهاجرين أو لطالبي اللجوء منهم، مفهوما، خاصة مع تراخي الدول الأوروبية في تحمل مسؤوليتها في موضوع الهجرة، وتغافلها عن الرسائل التونسية في هذا الاتجاه بضرورة معاجلة الملف وفق مقاربة مختلفة عن المقاربة الأمنية الضيقة. كما أن الضغوطات التي مارسها الاتحاد الأوروبي على تونس للقبول بدور الحارس المتقدم لحدوده مقابل مجرد وعود مالية واقتصادية لم تعد خافية.

ويبدو أن هناك توجها لتشكيل "لجنة مُشتركة لمُراقبة العودة الطوعيّة" للمهاجرين، تجمع الدول المغاربية والأوروبية، وفق ما كشفت عنه وزارة الداخلية في بلاغ لها عن فحوى مشاركة وزير الداخلية في اجتماع أمني عقد للغرض في روما وجمع وزراء داخلية ايطاليا والجزائر وليبيا وتونس. إضافة إلى وجود اتجاه لدفع دُول المصدر للتعاطي إيجابيّا مع طلبات العودة الطوعيّة لمواطنيها من المُهاجرين غير النظاميّين بالتعاون مع المُنظمات الدّوليّة ذات العلاقة..

وقد يكون التنسيق المغاربي في هذا الشأن، على غاية من الأهمية خاصة من حيث الوعي بضرورة معالجة الظاهرة من جذورها، والاتجاه إلى تعزيز حماية الحدود وتنمية المناطق الحدودية المشتركة، وتسهيل العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية أو توفير حلول أخرى مثل معالجة طلبات لجوئهم وترحيلهم إلى وجهات أخرى، بالتنسيق مع المنظمات الدولية والدول المعنية باللجوء..

رفيق بن عبد الله

 

 

 

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow