حرب الاحتلال على البنية التحتية للضفة: عقاب جماعي

وسّع الاحتلال الإسرائيلي من حربه على البنية التحتية للضفة الغربية، مستخدماً سلاح العقاب الجماعي للفلسطينيين بهدف ضرب الحاضنات الشعبية للمقاومة.

Apr 26, 2024 - 08:00
 0  0
حرب الاحتلال على البنية التحتية للضفة: عقاب جماعي

 

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل اقتحاماتها المتكررة لمدن ومخيمات الضفة الغربية، ما كبد الفلسطينيين خسائر تقدر بالملايين، وهو أمر من شأنه تعميق الأزمة الاقتصادية في المناطق التي يخرج منها المقاومون، للضغط عليهم وتحميلهم تبعات أزمات داخلية، لضرب حاضنتهم الشعبية.

كان آخر تلك الاقتحامات في مخيم نور شمس شرق طولكرم شمال الضفة، والذي استمر 3 أيام، نتج منه 14 شهيداً وجرحى ومعتقلون، وتدمير بشكل واسع وغير مسبوق للبنية التحتية، وعشرات المنازل ومسجد المخيم الكبير، وتعمد تدمير عشرات المركبات التي كانت متوقفة على جوانب الطرق داخل وفي محيط المخيم.

جرافات ضخمة
يقول رئيس بلدية طولكرم رياض عبد الكريم لـ"العربي الجديد": "إن الجرافات العسكرية الضخمة من نوع D9، جرفت بعمق زاد عن 3 أمتار الشوارع الرئيسية، وخاصة الطرق الموصلة للمخيم من جميع الجهات، والشارع الرئيسي المعروف باسم شارع (طولكرم- نابلس)، إضافة لتخريب وتدمير ممنهج لشبكات المياه والكهرباء والاتصالات والصرف الصحي، وتدمير أكثر من عشرين منزلاً مأهولاً، ومثلها من المحال التجارية والمطاعم بشكل جزئي أو كلي، وهذا يقدر بعشرات الملايين من الشواكل (الدولار = 3.7 شواكل)".

ويتابع عبد الكريم: "كما أن اقتحام مخيم نور شمس جاء في وقت لم تنه فيه المؤسسات المعنية عمليات التأهيل والإصلاح للأضرار التي نجمت من الاجتياحات السابقة للمخيم، ما عمق المشكلة بشكل كبير".
ويلفت عبد الكريم إلى أن البلدية ومعها كافة المؤسسات الرسمية من محافظة طولكرم ووزارة الأشغال العامة والحكم المحلي والدفاع المدني، شكلت خلية طوارئ، وظيفتها الأولى إزالة آثار الدمار الذي خلّفه الاحتلال للمخيم وحصر الأضرار.

دفع الناس للرحيل
يؤكد نشطاء في مخيم نور شمس، فضلوا عدم ذكر أسمائهم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في المخيم، هو اختبار للجهات الرسمية يبين قدرتها على إدارة ملف الإعمار.
ويرى النشطاء أن "هدف الاحتلال تكبيد الناس خسائر مادية من أجل دفعهم إلى الرحيل، أو إجبارهم على قبول التهجير عن طريق جعل حياتهم اليومية مليئة بالمعاناة، إضافة للضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.
أما اقتحامات الاحتلال في مخيم الفارعة الواقع جنوب طوباس شمال شرق الضفة الغربية، ورغم أنها قليلة مقارنة بالاقتحامات التي تنفذها قوات الاحتلال لمخيمات ومدن شمال الضفة، ووصلت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى أربعة اقتحامات استمرت لساعات، ونتج منها 16 شهيدًا، لكنها كبدت المخيم خسائر وصلت لأكثر من مليون دولار.

تدمير شبكات المياه والكهرباء
حسب رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم الفارعة عاصم منصور، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن جرافات الاحتلال كانت تتعمد في كل اقتحام تجريف الشوارع، وتدمير شبكات المياه والصرف الصحي، وخطوط الكهرباء والاتصالات والإنترنت، إضافة لخسائر تكبدها الأهالي نتيجة تدمير جزئي لمحالهم ومنازلهم، ومركباتهم.
وبعد كل اقتحام تسارع اللجنة الشعبية وتأخذ على عاتقها التواصل مع شركات الاتصالات والكهرباء ومزودي المياه، لإصلاح الضرر، دون تدخل فاعل من قبل الجهات المختصة والوزارات في السلطة الفلسطينية، أو حتى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، كما يؤكد منصور.

ويقول رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم الفارعة: "إن اللجنة حريصة على ربط شبكتي المياه والصرف الصحي بشكل عاجل، خشية تلوث المياه، وكذلك شبكة الكهرباء، لكن إصلاح الاتصالات والإنترنت قد يستمر لعدة أيام، أما الشوارع، فإننا لا نقوم بتعبيدها خشية اقتحامات الاحتلال المتكررة وبالتالي تدمير الشوارع وتكبيدنا خسائر أكبر، فنحرص على تأهيل الشوارع فقط".
يؤكد منصور أن ما يفعله الاحتلال بتدمير البنية التحتية خلال اقتحاماته لمخيم الفارعة، لا هدف منه سوى العقاب الجماعي، والضغط على الأهالي وإيجاد شرخ بينهم وبين المقاومين، وإيجاد فتنة داخلية.

مخيم بلاطة
كان لمخيم بلاطة شرق نابلس نصيب كبير بعشرات الاقتحامات منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بهدف ملاحقة المقاومين، وفي كل اقتحام يتعمد الاحتلال عبر جرافاته الضخمة تدمير أجزاء من المنازل وأبواب المحال التجارية، وحرق وتدمير المركبات، وتدمير وقصف منازل، وكل ذلك كبد المخيم خسائر قد تصل إلى نحو 3 ملايين دولار، بحسب القيادي بحركة فتح مظفر ذوقان في حديث لـ"العربي الجديد".
ووفق ذوقان، فإن قوات الاحتلال تضع تدمير البنية التحتية هدفًا في كل اقتحام لمخيم بلاطة، فيتم تدمير شبكات المياه والكهرباء والاتصالات والإنترنت والصرف الصحي، وتجريف الشوارع، وهو ما يكبد الأهالي إضافة للخسائر المادية، معاناة تستمر لساعات وربما أيام.
يوضح ذوقان أن الاحتلال من خلال تدمير البنية التحتية يهدف لزيادة الأعباء الاقتصادية على الناس، ومحاولة كسر إرادة أبناء المخيمات الذين يتشاركون بقضية واحدة وهي اللجوء، ويتخذون من المخيمات محطات صمود إلى حين العودة لأراضيهم التي هجروا منها إبان نكبة العام 1948، علاوة على الضغط على الأهالي للتضييق على المقاومة وتحميل المقاومين السبب بما يجري، لكن الحاضنة الشعبية للمقاومة لا تزال حاضرة بقوة في احتضان المقاومين.

مدينة جنين
في مدينة ومخيم جنين شمال الضفة، تفوق الخسائر القدرة على الوصف، وحسب ما يقوله نائب رئيس بلدية جنين، محمد جرار، خلال حديث مع "العربي الجديد"، فإن حجم الدمار الذي كبّده الاحتلال في جنين ومخيمها منذ يوليو/ تموز 2023، يفوق قدرات البلدية في إصلاحه، وبلغت الخسائر حوالي 39 مليون دولار، شملت تدمير البنية التحتية، وخطوط إمدادات المياه، وخطوط الكهرباء، باستثناء خسائر المنشآت التجارية والسكنية.
ولم تستطع البلدية تنفيذ حلولٍ جذرية في الأماكن التي دمرها الاحتلال بحسب جرار، الذي يشير إلى أن حلولهم كانت ترقيعية نظرًا لتكرار الاحتلال أعماله التدميرية في جنين خصوصًا في الطرقات التي لم تعد طواقم البلدية تعبيدها حيث تزيد مسافة الطرقات المدمرة عن 23 كيلومترًا، بالإضافة إلى نحو 12 كيلومترًا نفّذت البلدية فيهم حلولًا ترقيعية لانعدام الإمكانيات المتاحة.

وإلى جانب تدمير الطرقات، "تضررت البنية التحتية في شبكات الصرف الصحي والمياه، حيث تضررت خطوط كانت تمدّ المياه لنحو 30 ألف مواطن، وذلك نتيجة تدمير الخطوط المغّذية للمنازل أو خرابها بفعل تراكم الحجارة والأتربة التي نتجت من القصف والتدمير، ناهيك عن دمار كامل لأكثر لشبكة كهرباء على أكثر من نصف كيلو مربع، ما جعل مناطق المخيم تفتقد الخدمات الأساسية"، كما يوضح جرار.

فقدان أساسيات الحياة
وعلى أثر ما جرى في جنين، فإن أكثر من نصف عائلات مخيم جنين باتت خارجه بفعل فقدان أساسيات الحياة، وتدمير نحو 80 بالمئة من المنشآت التجارية والسكنية بشكل كلي أو جزئي، حسب جرار الذي يقول: "تلقينا وعودا بدعم جزائري يقدر بـ 30 مليون دولار لإعادة الإعمار، لكن الحكومة الفلسطينية تدّعي أنها لم تستلم المبلغ حتى اللحظة، والدعم الذي وصل للإعمار بلغ 15 مليون دولار من الإمارات وجّهت لوكالة الأونروا".
ويؤكد جرار أن بلدية جنين لم تتلق دعما، محملًا الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة محمد اشتية التقصير تجاه مخيم ومدينة جنين، لأنها لم تقدم سوى بعض الآليات خلال العمل، وتركت البلدية تواجه دمارًا يفوق طاقتها الاستيعابية، ما أدى لانعكاس نتائج تدمير المخيم على عمل البلدية التي توقف العاملون فيها عن العمل نظرًا لانقطاع رواتبهم بفعل تكبد البلدية خسائر بالملايين.
وعن سؤال "العربي الجديد" ما إن حاولت البلدية جلب دعم خارجي، أجاب جرار: "تواصلنا مع مجلس النواب الليبي وسلطنة عُمان والأردن ووصلنا لمراحل متقدمة للحصول على دعم مادي، إلا أن وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية رفضت ذلك، معتبرة أن ذلك تعدٍ على صلاحيتها، وأصبحنا بلا دعم حكومي ولا خارجي".

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow